ملخص
تناقش هذه الورقة تصنيف المفردات العربية التي يبنى عليها في تعليم العربية كلغة ثانية والموضوعات التي تندرج تحتها النصوص والمفردات، ودور الثقافة في توصيل المفاهيم القيمية للمجتمعات، بأنماطها وصورها المتنوعة، بهدف تطوير بنية معجمية للمفردات العربية تساعد المعلمين والباحثين والمعدين لكتب تعليم العربية وبرامجها في إدراك تصنيفات المعجم اللغوي حسب الأغراض الثقافية من تعليم العربية لغة ثانية، الذي يشكل محورا في التطوير التواصلي في بنية برامج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. أضف إلى ذلك إبراز الحدود والروابط البينية لصور وأنماط الثقافات وفق المعجم الحضاري أو التواصلي أو الإسلامي أو القومي أو غير ذلك. وفي الختام فإن هذه الورقة تسهم في تطوير قياس المعجم اللغوي لاكتساب الكفاءة الثقافية في تعلم العربية لغة ثانية. ثم التوصيات.كلمات مفتاحية: مفردات، العربية، الناطقين بها، لغة ثانية، كفاءة، ثقافة، تواصلية، مهارات، محتوى ثقافي
مقدمة
إن الكفاءة في تعلم اللغة العربية تتوقف على تحصيل الكفاءات الثلاثة: اللغوية والثقافية والتواصلية، ولا يتمكن ممتعلم العربية من الكفاءة في مهارات اللغة وتطبيقات عناصرها من مفردات ونصوص وتدريبات دون محتواها الثقافي، فاللغات البشرية عبارة عن حدود ثقافية بها تتغاير الحضارات الإنسانية وبها تتمايز، وهي التي تشكل الحواجز بين الأمم كما تفعل الحدود السياسية والجغرافية عندما تعزل الأوطان وتغلق على الأقوام والشعوب، فهي تطوق أهلها بقواعد التفكير والتعبير وتأسرهم بقيد الثقافة والقيم.
تندرج المضامين الثقافية في مكونات العملية التعليمية لتعليم اللغة العربية بمهاراتها وعناصرها، ولا بد أن تندمج العناصر الثقافية للغة الهدف في عجلة التعلم والتعليم، لأنها مساحة التطبيق والتدريب، وبدونها لن يكون ثمة بناء لغوي أو سیاق، ولن يتحقق إتقان للمهارات اللغوية بمعزل عن السياق الثقافي، والتفاعل مع أبناء اللغة العربية لن يصبح ممكنا إلا بإتقان تلك المهارات اللغوية ضمن سياقها الثقافي الذي لم توجد المهارات اللغوية أصلا بدونه، ولهذا عد كثير من الباحثين الثقافة ركنا من أركان تعلم اللغة، إذ لا تقوم المهارات ولا العناصر اللغوية إلا بها، ولا تتحقق الكفاية التواصلية بدونها.
بات تعليم الثقافة في العقدين الأخيرين أساسا محوريا في تعليم اللغة الثانية بالتوازي مع النهج التواصلي، وأصبح المحتوى الثقافي بمثابة الجملة العصبية التي تبعث الحياة في الكيان اللغوي، وتشكل المهارة التواصلية النواقل العصبية التي تتداخل مع جميع مكونات عناصر اللغة، وقد لخص براون (2000 Brown) العلاقة المتشابكة بين اللغة والثقافة بقوله: “اللغة جزء من الثقافة، والثقافة من مكونات اللغة، وكلاهما متشابك بشكل معقد بحيث لا يمكن للمرء أن يفصل بين الاثنين دون أن يفقد أهمية اللغة أو الثقافة”. (1) بل بات تعليم الثقافة مصاحبا للكفاءة التواصلية، وربما في كثير من الأحوال أصبح للثقافة دور مغ في مداخل التعليم وطرقها والأنشطة والتدريبات على تحصيل المهارات اللغوية من الاستماع والمحادثة والقراءة والكتابة، وقد أحرزت تجارب تعليم العربية لغير الناطقين بها في العقدين الأخيرين تقدما ملحوظا في نقد الأدوار المختلفة التي تضطلع بها عمليات التعليم والتدريب، وباتت آليات النقد قوية نسبيا بما يعود على نظم تعليم العربية لغير الناطقين بها بالضبط والإتقان، وخرجت مقاربات كثيرة بين تطبيقات تعليم العربية عموما وتعليم المهارات اللغوية خصوصا، والدور المحوري الذي تضطلع به الثقافة من بين تلك الركائز الأساسية في عمليات تعليم العربية لغير الناطقين بها. ومن تلك المقاربات تطبيقات المباديء التوجيهية التي قدمتها أهم المعايير الدولية في تعليم اللغات الأجنبية، التي تطورت بشكل كبير في العقد الأخير إلى الاعتراف بأهمية الدور الثقافي في تعليم اللغات، واعتبار ثقافة اللغة الهدف جزءا مرتبطا باللغة لا يكتمل النسيج اللغوي برمزيته ومنظومته دونها، حتى صارت من ضروريات برامج تعليم اللغات، وبات دمج المحتوى الثقافي للغة عند تعليمها من أركان عملیات تعلم اللغة وتعليمها في جميع أنحاء العالم.(2)
إن اللغة حاصل تراكم هائل من التفاعلات الاجتماعية، والتي هي بدورها تثري المحتوى اللغوي فلا يمكن تعلم اللغة دون ثقافتها ودون معرفة بقيم متحدثيها الفكرية والمعرفية والاجتماعية، بل إن صمتنا وحركاتنا وإشاراتنا ورموزنا وضحكاتنا وآلامنا واهتماماتنا كل ذلك مرتبط بشكل ما بثقافتنا، فما يفرحنا قد يكون محزنا الأبناء ثقافة أخرى، وما يضحكنا قد يبكي غيرنا، وما يؤلمنا قد لا يعني بالضرورة شيئا لأبناء لغات أخرى، والعكس صحيح، كما لا يمكن فصل الطرف المضحكة أو النكات المؤلمة أو التعبيرات الساخرة عن خلفياتها الثقافية ولا عن دورها الكبير في التعبير عن الآلام والأحزان أو السعادة والاهتمام، وكذلك الأمر بالنسبة للعزاء وطقوسه، والجداد وتقاليده، والأفراح وأساليبها، والآراء وما وراءها من مرجعيات ثقافية وقيم راسخة في المجتمعات، لأن ثقافات المتعلمين تختلف عن ثقافة اللغة الهدف، وهذا كله يتجلى في تطبيقات اللغة والممارسات اللغوية، وهو من أهم الجوانب التي ينبغي أن تدرس لمتعلمي اللغة الثانية ويبوا عليها، كي يتمكنوا من التواصل مع أبناء اللغة الهدف ويعتبروا ثقافتها عند التواصل ليفهموا مراداتهم، ويلتقوا في أفكارهم. (1)